بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
العوالم الثمان في تطور الإنسان
قال الله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "
هناك ثمانية درجات ومنازل ومراحل، يمر بها الإنسان في وجوده. يبدل في كل درج ومنزل ومرحلة ثوبه المخاط الهيا وفق ذلك ،مثلما يخلع الإنسان في هذه الحياة الحسية ثيابه وفق متطلبات الزمان والمكان من حيث البرد والحر وما أشبه.
فالإنسان في نقلاته الثمانية له في كل عالم منها حالة خاصة،ونحن في الدنيا قد وصلنا الى العالم الخامس وبقيت أمامنا ثلاث عوالم.
أخي المؤمن أختي المؤمنة هذه نبذة تعريفية مما أفادنا القرآن الكريم حول هذه العوالم الثمانية وبينها لنا رسول الله محمد ( صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة المعصومون من ال محمد (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين).
1. عالم الذر:
قال الله الخالق الكريم: " وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ انَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ "
يقول الإمام الباقر( عليه السلام) في تفسير هذه الآية: " أخرج من ظهر ادم ذريته الى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم نفسه وأراهم ولولا ذلك لم يعرف احد ربه "
ويقول الإمام الصادق( عليه السلام) : " فقال الله للمخلوقين في عالم الذر من ربكم؟ فأول من نطق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين والأئمة: فقالوا: انت ربنا فحملهم العلم والدين ثم قال الله تعالى للملائكة :هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ، ثم قال تعالى لبني ادم : اقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة، فقالوا: ربنا أقررنا ،فقال الله للملائكة : اشهدوا فقالت الملائكة: شهدنا على ان لا نقول غدا انا كنا عن هذا غافلين"
2. عالم التراب:
قال الله الخالق الحكيم: " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ منْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ َلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ".
يقول المفسرون: ان المادة الأولية لجسم الانسان هي التراب، فالنطفة تتكون في ظهر الرجل وكذلك السائل الذي يفرزه رحم المرأة ومن ثم تنعقد نطفة الجنين إنما في حقيقتها من عصارة الأكلات والأطعمة والسوائل المائية التي أكلاها قبل ذلك. وهذه الأكلات والأطعمة والاشربة من زراعة الأرض وذرات الطين والمعادن الجوفية لهذه الكواكبة الترابية. وبالتالي فخلقة بدن الإنسان تتحقق جزيئاتها من ذرات والعصارة الترابية في بدن الإنسان.
3. عالم الأصلاب:
قال الله تعالى : " فَلْيَنظُرِ الاْنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ".
يخرج ماء المني من صلب الرجل وفقرات ظهره ليختلط مع ماء المرأة الذي يخرج من صدرها الى رحمها وتسمية الآية ( الترائب) فهما مختلفان ولكنهما يمتزجان حتى تسميها الآية بلفظ المفرد(ماء دافق) وتعبر عنه بلفظة الأمشاج في الآية الأخرى ( انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج) .
4. عالم الأرحام:
قال الله تعالى: " هُوَ الَّذَي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأّرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا الَهَ الا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "
رحم المرأة هو الإناء لمراحل خلقة الانسان الحسية وتكامل أعضائه المادية وكذلك الجوانب الروحية والنفسية فيه أيضا. أما المراحل البدنية والمادية في خلقته فقد قال فيها ربنا تعالى: " يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء".
وتفيد الروايات ان الصفات النفسية تنتقل الى الجنين والطفل من الوالدين ايضا. حتى قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " أنظر في أي شيء تضع ولدك فان العرق دساس".
ويشير الى هذه الحقيقة المقطع الوارد في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) : " أشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها" .
5. عالم الدنيا:
قال الله تعالى: " انا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا انَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ انَّ اللهَ عَلِيمُ خَبِيرُ " .
عالم الدنيا هي دارنا التي نتحدث منها ألان، دار يعرفها الكثيرون بالظاهر والإجمال ويعرفها المؤمنون الحقيقيون بالباطن والتفصيل.
قال الإمام علي( عليه السلام): " الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار فخذوا من ممركم لمقركم ، وأرحام النساء الحرث كما قال الله تعالى: " نساؤكم حرث لكم" والنطفة كالبذر ، والولادة كالبنت، وأيام الشباب كالنشوء،وأيام الكهولة كالنضج، وأيام الشيخوخة كاليبس والجفاف، فبعد هذه الحالات لا بد من الحصاد".
6. عالم البرزخ:
قال الله تعالى: " وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخُ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " .
ذكر المحدث الفيض الكاشاني (قدس سره) في كتابه الوافي: " البرزخ هو الحالة التي تكون بين الموت والبعث الى يوم القيامة وهي مدة مفارقة الروح من هذا البدن المحسوس الى وقت العود اليه اعني زمان القبر، ويكون الروح في هذه المدة في بدنها المثالي الذي يرى الإنسان نفسه في النوم ، وقال النبي(صلى الله عليه واله وسلم): " النوم اخ الموت" وقال (صلى الله عليه واله وسلم): يا بني عبد المطلب ان الرائد لا يكذب أهله والذي بعثني بالحق تموتن كما تنامون وما بعد الموت دار أما الى الجنة او الى النار ".
7. عالم البعث والحشر:
قال الله تعالى: " وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ " .
قال الله تعالى ردا على المنكرين ليوم المعاد والعودة الى الأبدان لحشرها كما نحن في الدنيا.. " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم" .
وفي الأحاديث نقرأ قول النبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم): " لا يؤمن عبدا حتى يؤمن بأربعة: حتى يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ، واني رسول الله بعثت بالحق ،وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت، وحتى يؤمن بالقدر" .
ومن حديث للإمام زين العابدين( عليه السلام): " عجبا كل العجب لمن أنكر الموت وهو يرى من يموت كل يوم وليلة، والعجب كل العجب لمن أنكر النشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى" .
8. عالم الخلود في الجنة او النار:
قال الله الخالق الحكيم: " وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجِنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا ما دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الاََّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذِ ".
قال الهروي قلت للإمام الرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله اخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان ؟ فقال (عليه السلام): نعم وان رسول الله قد دخل الجنة لما عرج به الى السماء، فقلت له: فان قوما يقولون إنهما اليوم مقدرتان غير مخلوقين ، فقال (عليه السلام): ما أولئك منا ولا نحن منهم ،من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وكذبنا ، وليس من ولايتنا على شيء وخلد في نار جهنم ، قال الله تعالى: " هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون* يطوفون بينها وبين حميم آن" .
كتاب : سفر الآخرة
اترككم في حفظه تعالى سائلا اياكم الدعاء